إنّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعِينه ونستَغفِره ونتوب إليه، ونعوذُ باللهِ مِن شرور أنفسِنا ومِن سيِّئات أعمالِنا، مَن يهدِه الله فلاَ مضِلَّ له، ومَن يضلِل فلاَ هادِيَ له، وأشهَد أن لاَ إلهَ إلاّ الله وَحدَه لاَ شريكَ لَه، وأشهَد أنّ محمّدًا عبده ورسوله.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم ... أما بعد: فهذه وقفات بعنوان
قيمة الوقت عند المسلم
الوقفة الأولى: عناية الشريعة الإسلامية بالوقت.
ولقد عنيت الشريعة بالوقت من نواحٍ شتى وبصور عديدة، فقد أقسم الله في سور عديدة بأجزاء منه مثل الليل، والنهار، والصبح ،والفجر، والضحى، والعصر.
وجاءت السنة لتؤكد أهمية الوقت وقيمة الزمن، وتقرر أن الإنسان مسئول عنه يوم القيامة،كما ذكرناه في خطبة سابقة.
الوقفة الثانية: فرح كثير من الناس بمرور الزمن.
وإن المرء ليعجب من فرح أقوام بمرور الأيام، وسرورهم بانقضائها، ناسين أن كل دقيقة بل كل لحظة تمضي من عمرهم تقربهم من القبر والآخرة، وتباعدهم عن الدنيا.
إنَّا لنفرحُ بالأيام نقطعها * * * وكل يوم مضى جزءٌ من العمرِ
و قال الحسن البصري: "يا ابن آدم، إنما أنت أيام، إذا ذهب يوم ذهب بعضك". (صفة الصفوة)
الوقفة الثالثة: أنه ما بقي من العمر شيء وجب أن يبقى من العمل شيء.
- وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل " (رواه أحمد والطيالسي والبخاري في الأدب وصححه الألباني) وهذا يعني أنه ما بقي من العمر شيء وجب أن يبقى من العمل شيء بقدر ما بقي من العمر، وهذا غاية العناية بالوقت.
- ما رواه الطبري وذكره السيوطي في الجامع الكبير وأدخله الألباني في السلسلة الصحيحة: عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك ؟ فقال له أبي: أنا شيخ كبير أموت غدا فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها, فقال عمارة: فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي "
- قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم: - عن نعيم بن حماد قال: قيل لابن المبارك: إلى متى تطلب العلم ؟ قال: حتى الممات إن شاء الله"
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شي من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة "(رواه أبو نعيم في الحلية)
وقال رضي الله عنه: لا ألفين أحدكم جيفة ليل، قطرب نهار." (نفسه) قال ابن عيينة: القطرب الذي يجلس ههنا ساعة، وههنا ساعة."(نفسه)
الوقفة الرابعة: أن الإنسان لا يكاد يشعر بقصر عمره.
وأعمار هذه الأمة كما بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما بين الستين إلى السبعين وقليل من يجوز ذلك (رواه الترمذي وابن ماجة وابن حبان وصححه الألباني) وستون سنة -في الحقيقة- لا تكاد تعد شيئاً مذكوراً لو تأمل العبد وتفطن، وإن كان الشباب يَغُر، وإن كان الشيطان يغر، وإن كانت زهرة الحياة الدنيا تخدع، لأن هذه الستين تمر منها ثلثها وهي عشرون سنة والإنسان فيما يشبه الطفولة، وكل أب ابنه دون العشرين لا يزال يعتبره بحاجة إلى الرعاية والعناية والاهتمام!
ثم الثلثان لمن مد الله -تعالى- في عمره، وهي أربعون سنة، كم يذهب منها للنوم؟ حسِب بعض العلماء ذلك فقالوا: وجدنا أن الإنسان العادي ينام ثلث عمره، إذاً فسوف ينام ثلث هذه الأربعين-أي حوالي 14عاما- فيبقى من الأربعين 26 عاما، ثم كم لطعامه، وكم لشرابه، ثم كم يأخذ الناس من وقته في الأمور المباحة، فإن بعض الناس يسلم عليك فيريد من وقتك نصف ساعة، وهذا شيء نشاهده نحن، ، وكثير من الناس لا يشعر بقيمة هذا الزمن ولا بأهميته وكأن أمراً لم يحدث! ولو دقق وحسب لوجد أن العمر ضيق وقصير بشكل يدعو إلى الغرابة.
لاحظ – أخي المسلم – لو أن شخصا بلغ من العمر سبعين عاما وأضاع من يومه كل يوم مقدارا معينا كم يضيع عليه خلال العمر كله ؟تأمل الجدول :
5 دقائق |
3أشهر |
10 |
6أشهر |
20 |
سنة كاملة |
ساعة |
3سنوات |
10ساعات |
30سنة |
والقفة الخامسة: خطورة إضاعة الوقت:
وقال ابن القيم: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".
وقال السري بن المغلس: "إن اغتممت بما ينقص من مالك فابكِ على ما ينقص من عمرك". (صفة الصفوة)
أخي المسلم حتى تتعامل مع مضيعات الوقت؟ فكر ماذا تفعل في الحالات التالية؟:
عند ما تنتظر وسيلة نقل متأخرة.
عند ما تستغرق الرحلة وقتا طويلا.
عند ما تعاني من الأرق.
عند ما يفاجئك أحدهم بزيارة غير متوقعة.
عند ما تبتلى بمكالمات هاتفية زائدة عن الحد.
عند ما ينقطع التيار الكهربائي في وقت عملك ليلا أو نهارا.
عند ما تتزاحم عليك الواجبات ويصعب ترتيب الأولويات.
الوقفة السادسة: ما يمكن أن يستثمر به الوقت. حفظ كتاب الله تعالى وتعلُّمه: وهذا خير ما يستغل به المسلم وقته بعد إقامة الفرائض، وقد حثَّ النبي صلى الله عليه و سالم على تعلم كتاب الله فقال:"خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (رواه البخاري ) طلب العلم: فقد كان السلف الصالح أكثر حرصاً على استثمار أوقاتهم في طلب العلم وتحصيله. واغتنام الوقت في تحصيل العلم وطلبه له صور، منها: حضور الدروس المهمة، ومنها: الاستماع إلى الأشرطة النافعة، ومنها: قراءة الكتب المفيدة، ومنها: سؤال العلماء . ذكر الله تعالى: فليس في الأعمال شيء يسع الأوقات كلها مثل الذكر، وهو مجال خصب وسهل لا يكلف المسلم مالاً ولا جهداً، وقد أوصى النبي صلى الله عليه و سالم أحد أصحابه بذلك فيما رواه عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍأَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ إِنَّ شَرَائِعَ الإِسْلامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَنْبِئْنِي مِنْهَا بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: "لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ" (رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني) الإكثار من النوافل: وهو مجال مهم لاغتنام أوقات العمر في طاعة الله، وعامل مهم في تربية النفس وتزكيتها، علاوة على أنه فرصة لتعويض النقص الذي يقع عند أداء الفرائض، وأكبر من ذلك كله أنه سبب لحصول محبة الله للعبد كما في حديث الأولياء: "ولا يزال عبدي يتقرَّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه" (رواه البخاري ) الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والنصيحة للمسلمين: كل هذه مجالات خصبة لاستثمار ساعات العمر. والدعوة إلى الله تعالى مهمة الرسل ورسالة الأنبياء، وقد قال الله تعالى : [قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ] يوسف:108 زيارة الأقارب وصلة الأرحام: فهي سبب لدخول الجنة وحصول الرحمة وزيادة العمر وبسط الرزق، قال :" (من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه)" رواه البخاري اغتنام الأوقات اليومية الفاضلة: مثل بعد الصلوات، وبين الأذان والإقامة، وثلث الليل الأخير، وعند سماع النداء للصلاة، وبعد صلاة الفجر حتى تشرق الشمس. وكل هذه الأوقات مقرونة بعبادات فاضلة ندب الشرع إلى إيقاعها فيها فيحصل العبد على الأجر الكبير والثواب العظيم. تعلُّم الأشياء النافعة: مثل المهارات النافعة، واللغات المفيدة، والحرف الكريمة بهدف أن ينفع المسلم نفسه وإخوانه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(برسيل - مسجد سعد بن أبي وقاص 1427/5/14= 2006/6/11)
|