إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين... أما بعد: اعلم أن النكاح من نعم الله العظيمة وآلائه الجسيمة حيث شرعه لعباده وجعله وسيلة وطريقاً إلى مصالح ومنافع لا تحصر، وجعله من سنن المرسلين وطريقة عباده الصالحين بعدما جعله ضرورياً لجميع العالمين، وله من الفضائل والمزايا ما يميزه عن سائر العقود والمواثيق، وجعل للدخول فيه شروطاً وآداباً، وللخروج منه حدوداً وأبواباً. وفي هذه الخطبة نتطرق إلى الحديث عما له من شروط وأركان، وما يلحق بذلك من أحكام، وبيانات، وذلك في مسائل ذات عدد:
المسألة الأولى: في أركان النكاح: الأول: الزوجان الخاليان من الموانع، التي تمنع صحّة النكاح. ومن الموانع أن تكون المرأة معتدّة ، أو تكون ممن تحرم عليه بالنسب أو الرضاع، أو المصاهرة، أو سبب آخر، وسيأتي بيان ذلك عند الحديث عن المحرمات، ومنها أن يكون الرجل في عصمته أربع نسوة فلا يعقد له على زوجة خامسة حتى يفارق إحداهن وتنقضي عدتها. الثاني: الإيجاب وهو اللفظ الصّادر من ولي المرأة، أو من يقوم مقامه بوصاية أو وكالة خاصة في التّزويج، بشرط أن يكون دالا على التزويج. الثالث: القبول وهو اللفظ الصادر من الزّوج، أو من يقوم مقامه بولاية أو وصاية أو وكالة خاصة في التزويج بشرط أن يكون دالا على الموافقة. وينبغي أن يتلفظ الولي أو نائبه بأحد هذين اللفظين "زوَّجتُ أو أنكحتُ" لأنهما اللفظان اللذان ورد بهما القرآن الكريم قال تعالى:﴿ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا ﴾ وقال تعالى:﴿ وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النساء﴾ ويكون القبول بلفظ قبلت هذا النكاح أو تزوّجتها، وينعقد من أخرس بكتابة أوإشارة مفهومة. كما ينبغي أن يتقدم الإيجاب ثم يأتي بعده القبول من الزّوج دون تأخر.
أما الشروط فعلى قسمين: القسم الأول: شروط العقد: أولا : الولي للمرأة ، وهو من بيده عقد النكاح ويتولى تزويج المرأة , فلا يصح إلا بحضوره أو وكيله في النكاح وإذنه . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لا نكاح إلا بولي." رواه أبو داود وصححه الألباني . وشروط الولي : التكليف , والذكورية , والحرية , واتفاق الدين، والعدالة، والرشد في العقد : بأن يعرف الكفء ومصالح النكاح . ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها فإن فعلت لم يصح النكاح . لما روته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها وإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي لها " [1] أولياء المرأة على الترتيب كالآتي : ( 1 ) الأب . ( 2 ) الوصي في النكاح . ( 3 ) الجد لأب وإن علا . ( 4 ) الابن . ( 5 ) ابن الابن وإن نزل . ( 6 ) الأخ الشقيق . ( 7 ) الأخ لأب . ( 8 ) ابن الأخ الشقيق . ( 9 ) ابن الأخ لأب . ( 10 ) العم الشقيق . ( 11 ) العم لأب . ( 12 ) ابن العم الشقيق . ( 13 ) ابن العم لأب . ( 14 ) الأقرب من العصبة كالإرث . (15 ) المعتق ثم أقرب عصبته نسبا . (16) ثم السلطان ولي من لا ولي لها .
تنبيهات:
وكيل كل ولي يقوم مقامه حاضرا أو غائبا .
لا ولاية لذوي الأرحام كالأخ لأم ولا لخال المرأة ولا لزوج أمها ولو رباها وابن البنت.
إذا وجد وليان مستحقان في درجة واحدة كأخوين شقيقين صح التزويج من أي واحد منهما إن أذنت المرأة. ثانيا : الشهادة على عقد النكاح . فلا يصح النكاح إلا بشاهدين عدلين , عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :"لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل." شروط الشاهدين : أن يكونا عدلين ذكرين مكلفين سميعين ناطقين . ولا تصح شهادة الأصول كالأب والجد ولا الفروع كالابن. ثالثا : تعيين الزوجين . وذلك بأن يكون كل منهما معروفا باسمه أو وصف منضبط أو متعين حتما كزوجتك ابنتي وليس له غيرها , أو ابنتي الكبرى أو ابنتي هذه ويشير إليها فلا يصح النكاح بدون تعيين كزوجتك أبنتي وله غيرها , أو زوجتها ابنك وله بنون فلا بد من التعيين للزوجين , لأن المقصود في النكاح التعيين . رابعا : رضا الزوجين . فلا يصح إن أكره أحدهما بغير حق. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :" لا تنكح الأيم حتى تستأمر , ولا تنكح البكر حتى تستأذن" قالوا يا رسول الله وكيف إذنها ؟ قال : " أن تسكت ". [2] ومتى ادعت المرأة أنها زوجت مكرهة فإن للقاضي أن يخيرها بين إمضاء النكاح أو فسخه.
القسم الثاني : شروط إضافية في العقد، وهي على نوعين: الأول : شروط صحيحة ، وضابطها: كل شرط جاز بذله بدون الاشتراط لزم بالشرط، مثال ذلك:
- أن لا يخرجها من بلدها.
- اشتراط متابعة الدراسة، أو البيت المستقل، أو السماح لها بالعمل بوظيفة حكومية أو عمل خاص.
- طلب خادمة أو نحوها.
- أن لا يتزوج عليها ( وهذا صحيح عند الحنابلة) .
فهذه الشروط ونحوها شروط صحيحة لازمة للزوج فمتى لم يف بالشروط كان للزوجة حق الفسخ.
الثاني : شروط باطلة، وضابطها: كل شرط ورد في الشرع النهي عنه، ومن ذلك:
- اشتراط المرأة طلاق ضرتها، فهذا شرط باطل بنص الحديث "لا تسأل المرأة طلاق أختها." رواه البخاري.
- أن يتزوج المرأة بشرط كون النكاح لمدة محددة كشهر مثلا ثم يطلقها. وهذا(نكاح المتعة) ويدخل فيه نكاح التحليل.
- أن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه مثلها في المقابل. وهو (نكاح الشغار)
فهذه الشروط يبطل معها النكاح أصلا ولا يصح.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
[1] رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الألباني.
|