إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين.. أما بعد: فقد قال الله تعالى: ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً﴾ النساء23 في هذه الآية الكريمة- أيها الإخوة المؤمنون- بيان قرآني كريم حول المحرمات من النساء: أي النساء اللواتي لا يجوز للرجل التزوج بهن، فالإسلام لم يترك النساء مشاعات بالنسبة للرجال بل فصل أمرهن، فجعل فيهن المحرمات على التأبيد والمحرمات تحريماً إلى أمد أي تحريما مؤقتاً، وفي الخطبة الرابعة من هذه السلسلة الفقهية المباركة نحاول أن نفصل القول في ذلك فنقول: القسم الأول: المحرمات على التأبيد. النساء المحرمات أصلاً وبصورة مؤبدة أربعة أصناف نص القرآن الكريم عليها وهن:
1 ـ المحرمات من النسب ويشملهن قوله تعالى: ﴿ حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت ﴾
2 ـ المحرمات بالرضاع ويشملهن قوله تعالى: ﴿ وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة ﴾
3 ـ المحرمات بالمصاهرة وهن أربعة أنواع:
- أمهات نساء الزوج لقوله تعالى: ﴿ وأمهات نسائكم ﴾
- حلائل الآباء أي زوجاتهم لقوله تعالى: ﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ﴾
- حلائل الأبناء لقوله تعالى: ﴿ وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ﴾
- الربائب، وهن بنات نساء الزوج من غيره، واللاتي دخل بهن لقوله تعالى: ﴿ وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جُناح عليكم ﴾
4 ـ المرأة الملاعنة، وهي التي قذفها زوجها بالزنا ولم يكن له شهداء، فإنه يطبق عليهما قول الله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * ويدرؤا عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾
القسم الثاني: المحرمات تحريماً مؤقتاً: بمعنى أنه لا يحل للرجل التزوج بإحدى هؤلاء النساء ما دامت في حال معينة فإن تغيرت هذه الحال زال سبب التحريم الوقتي وحلت له. وهؤلاء هن: 1 ـ الأختان من النسب أوالرضاع، فإنه يحرم الجمع بينهما في عقدٍ واحد أو متفرق لقوله تعالى: ﴿ وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ﴾ 2 .المرأة وعمتها أوالمرأة وخالتها إجماعاً لما رواه أبو هريرة ـ مرفوعا ـ: "لا يُجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها" متفق عليه. 3 .المرأة الزائدة على أربع؛ إذ لا يجوز الجمع بين أكثر من أربع نسوة حرائر ذلك لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال لغيلان الثقفي عندما أسلم وكان تحته عشر نسوة: "إختر منهن أربعاً وفارق سائرهن" [1] 4 .المرأة المتزوجة ما دامت في عصمة زوجها ما دامت زوجيتهما لم تنحل بموت أو طلاق بائن. 5 .المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة أو لعان ما لم تنقض عدتها.
وهنا وقفات: الأولى: أنه لما كانت النساء المباحات أكثر فقد جاء النص في ذكر المحرمات؛ لأنه أيسر في الإحصاء. الثانية: أن من النساء من تقوم بإرضاع ولد غيرها أو بنتها ثم لا يتم إشاعة ذلك بين الأسرتين، وهذا كثيرا ما يؤدي إلى خطر أن يتعاقدا ثم يتبين بعد ذلك أنها أخته من الرضاعة، عن عقبة بن الحارث قال: تزوجت امرأة فجاءتنا امرأة سوداء فقالت قد أرضعتكما. فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إني تزوجت فلانة بنت فلان فجاءتنا امرأة فقالت إني قد أرضعتكما، فأعرض عنى فأتيته من قبل وجهه فقلت: إنها كاذبة فقال: « كيف وقد زعمت أنها أرضعتكما؟ دعها عنك." [2] الثالثة: أن القاعدة فيمن يحرم من النسب أن:" يصح قول أحد الطرفين بيني وبينه من القرابة كذا، أو بيني وبين قريبه من القرابة كذا" الرابعة: القاعدة فيمن لا يجوز الجمع بينهن أن: "كل امرأتين بينهما قرابة لوكانت إحداهما رجلا لم يجز له أن يتزوج بالأخرى حرم الجمع بينهما"
أيها الإخوة المؤمنون بقي أن نتحدث عن الحقوق الزوجية في الشريعة الإسلامية وهذا ما سنتطرق إليه إن شاء الله في خطبة قادمة. اللهم انصر دينك وسنة نبيك وأولياءك الذين آمنوا وكانوا يتقون. وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
(الجمعة 20 جمادى الأولى 1430هـ)
[1] رواه الشافعي وأحمد وابن ماجة وابن أبي شيبة والدارقطني والبيهقي وصححه الألباني
[2] رواه النسائي والدارقطني والبيهقي وصححه الألباني
|