إنّ الحمد لله نحمده و نستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه و على آله و أصحابه أجمعين.. أما بعد:
فإن موضوع "الخلافات الزوجية:أسباب وحلول" الذي نحاول أن نقدمه اليوم قد تحدث فيه الكثيرون، حتى يتصور البعض أنه لا جديد فيه، ونحن نقول لئن كان من جديد فيه فهو أننا سنتحدث بصورة عملية نابعة من واقع خبرة التعامل مع المشلات الزوجية من خلال الاستشارات والاستفتاءات المتكررة التي تأخذ مساحة كبيرة من برنامجنا اليومي عبرالزيارات والاتصالات الهاتفية.. أيها الإخوة حتى تكون الحياة الزوجية أكثر هدوءً واستقرارا وأكثر بعدًّا عن الأزمات والمشكلات ينبغي الاهتمام بهذه الأمور:
1- من يغير من؟ هل التغيير مطلوب من أحد طرفي العلاقة الزوجية دون الآخر؟ إن هذا السؤال هو أحد أسباب الخلافات، والإجابة عليه هي أحد أهم أسباب تجنب الخلافات وحلها، وهي أن طرفي الزواج مطلوب منهما معا أن يتغيرا ويتكيفا، لأنهما يجب أن يدركا أنهما بعد الزواج يبدآن مرحلة جديدة من حياتهما، فالزوجة التي تنتظر من زوجها اهتماما مشابها لاهتمامه في أثناء فترة الخطوبة، أو الزوج الذي ينتظر من زوجته أن تظل على حالها أيام عقد الزواج... أو يبتغي منها اهتماما كالذي كان قبل وجود الأطفال... الطرف الذي يتصور أنه سيحتفظ بكل صفاته ولن يتغير، أو أنه سيغير الطرف الآخر فهو يسير في طريق الصدام.
2- سيبقى الخلاف ما بقيت الحياة. يجب أن تعلم أن سعادة الحياة الزوجية لا تعني التطابق الكامل والدائم، فهذا أمر مستحيل، ولكن تعني أن يدرك كل طرف أن الطرف الثاني مختلف، وحديث خلق المرأة من ضلع أعوج هو الإشارة المناسبة لكيفية التعامل مع هذا الاختلاف.
3- القبول بتوزيع الأدوار. وهذا الاختلاف ليس اختلاف تصادم ولكنه اختلاف تنوع وتكامل؛ فقوامة الرجل هي قوامة الاحتواء الذي يؤدي إلى شعور المرأة بالأمان في كنفه وليست قوامة القوة الغاشمة والسيطرة الظالمة... وهي بتلك الصورة لا تنقص من قدر المرأة بل تسعى المرأة إليها ولا تشعر بالاطمئنان إلا في إطارها، الرجل مسئول عن زوجته وأولاده وبيته مسئولية القائد والمدير والمعلم والراعي، وعندها يصبح دور المرأة هو بث روح المحبة والمودة والسكينة والنظام بحيث تستمر الحياة الزوجية، وتصمد أمام الخلافات ، وعدم القبول بالدور سببٌ لمشكلات كثيرة يكون حلها ببساطة أن يلتزم كل طرف بدوره.
4- الحوار المتبادل والتواصل المستمر. كل ما سبق يسلمنا إلى حالةٍ من التواصل الذي لا ينقطع والذي يحرص عليه الطرفان؛.. ومشاركةٍ بالقول والفعل في كل ما يخص الآخر... ثم الحوار عند الخلاف سيكون في مجراه الطبيعي استمرارا للتواصل وليس دعوة نلجأ إليها عند حدوث الخلاف.
5- الانسحاب قد يكون أفضل الخيارات. حتى لا يتصاعد الخلاف ويدخل في مساحات غير مرغوب فيها يجب أن نتعلم الانسحاب؛ فعندما يبدأ الخلاف ويأخذ في التصاعد يحسن أن يتفق الطرفان على أن ينسحبا لعدة ساعات ويعودا وقد هدأت نفوسهما وأصبحا قادرين على الحوار والتفاهم بهدوء. ؛ فمع الغضب سيشتعل الموقف ويزداد تعقيدا حيث ستكون الكلمات والألفاظ غير محسوبة وربما كان هم كل طرف لحظتها أن ينتقم لنفسه ويؤذي الطرف الآخر بأقصى درجة، في حين أنه لو هدأ ما كان ليقول ذلك.
6- حذار من تدخلات الآخرين. على الزوجين أن يحددا نقطة الخلاف وسببه، وبالتالي طريقة العلاج بخطوات عملية تحجم الخلاف وتضيقه؛ ومن الأمور المهمة ألا يتدخل كل من هب ودب في شأن الخلافات الزوجية ؛ لأن مسألة القدرة على التدخل لحل الخلاف بين الزوجين قدرة خاصة تحتاج إلى خبرة وعلم وموهبة لا تتوفر للكثيرين ممن يتدخلون في حياة الناس الزوجية..
7- المسئولية المشتركة. لا يكون هم الزوجين عند حدوث الخلاف هو البحث عن المسئول عنه ومن بدأه ويضيع الجهد في سعي كل طرف إلى التنصل مما حدث وتأكيد مسئولية الطرف الآخر عن حدوثه؛ لأن هذا فضلا عن كونه يزيد من تفاقم الخلافات فإنه أيضا لا يؤدي إلى أي نتيجة إيجابية...
8- إنشاء مجالس ولجان للمصالحة . وهذا من الأمور المهمة التي حث الإسلام عليها وطبقها المسلمون الأوائل أحسن تطبيق،، قال تعالى: ﴿ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ ﴾ الأنفال1 ومن فوائد هذه المجالس:
- أنها السبيل المختار لإنهاء كثير من الخلافات ومنها الزوجية.
- أنها تحول دون لجوء المسلمين إلى المحاكم العلمانية التي قل أن يتم فيها التحاكم دون الوصول إلى انفصام العلاقة الأخوية بصورة أبدية.. هذه المحاكم التي فقدت شعبيتها من يوم اعتمدت في مصادرها وحيثياتها على مصالح وعادات وتقاليد قوم آخرين، وكان المنتظر من المقننين أن يستندوا إلى واقع الأمة وثوابتها التي لا انفكاك لها عنها، فتبني قوانينها وفقا لثوابت الأمة، فكم هناك من قوانين تناقض مقررات الشريعة الإسلامية تطبق على من تقدم إلى محاكمنا؟ انظر مثلا إلى نصوصهم في أن :
أ. النكاح لا يفسخ إلى بالقانون. ب. النكاح الذي يعقد في المسجد نكاح تقليدي لا يتجاوز الأقوال (verbal) ت. الموافقة على الزوجة الواحدة تقتضي الاشتراك في كل الأموال الستجدة من الطرفين. ث. أنه لو مات أحدهما أو طلق فليس له أن يعدد في السمتقبل.
إلى غير ذلك من البنود المخالفة التي تجعل المسلم ينظر إلى هذا القانون على أنه أجنبي دخيل.
اللهم فقهنا في الدين وثبتنا عليه حتى اليقين، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين.
(الجمعة 10 /7 / 1430هـ = 3 /7 /2009م)
|