Audios Wolof    Français
 
 

الرئيسية > المحاضرات والخطب النصية > الخطب النصية

 
ماهية العقيدة الصحيحة


الحمد لله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، له الحمد في الأولى والآخرة، وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله حَمى حِمى التوحيد وسدَّ كل طريق يوصل إلى الشرك، فأظهر الله به دينه على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله؛ فاتقوا الله الذي خلقكم، واستعينوا على طاعته بما رزقكم، فربُّكم جلَّت حكمته لم يخلقكم هملاً، ولم يترك أمركم في هذه الحياة مهملاً، بل خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً.

أيها المسلمون لقد كان حديثنا في الخطبة الماضية عن علاقة العقيدة الصحيحة ببناء الأخلاق الحسنة، وتوجيه السلوك الحميد، حيث بينا ووضحنا أن الإيمان يرتقي بالمؤمن في خلقه وتفكيره، يُنقذه من زيغ القلوب، وانحراف الأهواء، وظلمات الجهل، وأوهام الخرافة، ينقذه من المحتالين والدجالين، وأحبار السوء ورهبانه ممن يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ،وفي هذه الخطبة نعرج على ركيزتين من ركائز العقيدة الصحيحة، وذلك بعد إشارة لطيفة إلى ماهية العقيدة الصحيحة.

أيها المؤمنون، إن الغاية التي من أجلها خلق الله السماواتِ والأرض والجنة والنار، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وأقام الحدود، وشرع الشرائع، وانقسمت بها الخليقة إلى سعداء وأشقياء، وبها حقتِ الحاقة ووقعتِ الواقعة، وبها وضعتِ الموازين القسط، ونصب الصراط، وقام سوق الجنةِ والنّار، وبها يتعلق السؤال في القبرِ ويوم البعثِ والنشور، وبها الخصام، وإليها المحاكمة، وفيها الموالاة والمعاداة.

إن هذا المقصود أيها الإخوة هو التوحيد الذي هو حق الله على العبيدِ: قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ *لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْواً لاَّتَّخَذْنَـٰهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَـٰعِلِينَ﴾ [الأنبياء:16-17].وقال تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ ٱلإِنسَـٰنُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾ [القيامة:36]. وقال تعالى:﴿قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبّى لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ﴾ [الفرقان:77]. وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ *إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ﴾ [الذاريات:56-58]. فأخبر سبحانه وتعالى أنه ما خلق الإنس والجن إلا لعبادته، ولم يرِدْ منهم ما تريده السادة من عبيدها من الإعانةِ لهم بالرِّزقِ والإطعامِ، بل هو الرزّاق ذو القوةِ المتين، كما قال تعالى: ﴿قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنّى أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ﴾ [الأنعام:14].

عباد الله، إن العبد إذا علِم أن الله هو مالك الملكِ ومدبِر الأمر، وأنه خالق السماواتِ والأرض وأنه ينزِّل من السماء ماء فينبت به حدائِق ذات بهجةٍ ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، وأنه جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا، وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرينِ حاجزا، وأنه يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض، وأنه يهديكم في ظلماتِ البرِ والبحرِ، ويرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، وأنه يبدأ الخلق ثم يعيده ويرزقكم من السماء والأرضِ. إذا علمتم عباد الله ذلك كلَّه وأقررتم به فاعلموا أن ذلك منطلقٌ يجب على العبد أن يصل به إلى التوحيد الخالص، ولا يكفي وحده؛ فإن هذا النوع قد أقر به المشركون من قبل، قال تعالى في حقِ المشركين: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوٰتِ وَٱلأرْضَ لَيَقُولُنَّ ٱللَّهُ قُلْ أَفَرَايْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ إِنْ أَرَادَنِىَ ٱللَّهُ بِضُرّ هَلْ هُنَّ كَـٰشِفَـٰتُ ضُرّهِ أَوْ أَرَادَنِى بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَـٰتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِىَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّـلُ ٱلْمُتَوَكّلُونَ﴾ [الزمر:38].
أما الركيزتان اللتان هما أسُّ التوحيد وقاعدته فإسلام الوجه لله، وتحقيق العبودية له.

أولا: إسلام الوجه لله: ويعني الاستسلام الكامل لله جل جلاله، إيمانا وتسليما وانقيادا ومحبة له، وتوكلا عليه، ورغبة ورجاء ، وخوفا وخشية ورهبة منه، فلا يتوجه إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، ولا يخاف ويخشى ، ولا يرغب ويرجو سواه، فإذا رفع يديه وقال: يا الله نسي ما سواه، وترك وراء ظهره كل حبل يستعصم به المشركون، وكل طاغوت يتزلف إليه المفلسون.
قال تعالى:﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾ النساء65
وقال تعالى:﴿وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ لقمان22
وقال تعالى:﴿بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ البقرة112
وقال تعالى:﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً ﴾النساء125
وقال تعالى:﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾غافر66

الثانية: أيها الإخوة، الركيزة الثانية هي تحقيق العبودية التامة له وحده سبحانه تحقيقاً لكلمة الحق: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في لفظها ومعناها والعمل بمقتضاها.
إنها عبودية تُنَقَّى بها القلوب والضمائر من الاعتقاد في ألوهية أحد غير الله، وتُنَقَّى بها الجوارح والشعائر من أن تُصرف لأحد غير الله، وتُنَقَّى بها الأحكام والشرائع من أن تتلقى من أحدٍ دون الله عزَّ وجلَّ.
أيها الإخوة: لقد كانت العناية بتحقيق العبودية لله هي القضية الكبرى، ومهمة الرسل الأولى، قال عز وجل: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِى كُلّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّـٰغُوتَ} [النحل:36]. وقال:﴿وَاسْئلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ءالِهَةً يُعْبَدُونَ} [الزخرف:45].
وتحقيق تلك العبودية هو أعلى مقام يمكن أن يصل إليه المخلوق المربوب، فإذا حقق العبد العبودية فقد كمل، ولذا قد أثنى سبحانه على صفوة خلقه وهم أنبياؤه عليهم الصلاة والسلام، وناداهم بأشرف لقب وأنبله وهو لقب العبودية لله.
فقال عن نوح:﴿ ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا﴾ .
وقال عن إبراهيم وغيره: ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ﴾
وقال عن لوط:﴿ ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين﴾.
وقال عن زكريا:﴿ كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا﴾.
وقال عن أيوب:﴿واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه﴾ وقال عنه ﴿ نعم العبد إنه أواب﴾.
وقال عن سليمان:﴿ووهبنا لداود سليمان نعم العبد﴾ وقال:﴿واذكر عبدنا داود ذا الأيدي إنه أواب﴾.
وقال عن عيسى عليه السلام:﴿ إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرئيل﴾.
وقال عنه:﴿ لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ﴾ ،:﴿ وقال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا﴾.
وقال عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم :﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ﴾ الآية.
وقال عنه:﴿ إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان﴾ .
وقال أيضا:﴿سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ﴾ الآية.
وقال:﴿ أليس الله بكاف عبده﴾ ،وقال:﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا﴾ ،وقال:﴿ فأوحى إلى عبده ما أوحى﴾ ،وقال:﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً ﴾.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى،، المسلمين،، اللهم ثبت على الصراط أقدامنا، وارحم يوم العرض ذل مقامنا، اللهم وفقنا للصالحات قبل الممات، وأرشدنا إلى استدراك الهفوات من قبل الفوات، وألهمنا أخذ العدة للوفاة قبل الموافاة، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، وآنس وحشتنا، واحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا وعن أيماننا وعن شمائلنا ومن فوقنا ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا..اللهم اغفر لجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات.
وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه،، أجمعين.

(الجمعة 24/12/1433هـ = 9/11/2012م)

تحميل

 
 
إعلان هام:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيد المرسلين بينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ،، أما بعد:
فيقول أبو إبراهيم محمد أحمد لوح : إن هذا الموقع ( www.drmalo.com)هو المعبر الالكتروني الرسمي عن مقالاتنا وخطبنا ودروسنا ومحاضراتنا وبحوثنا ومؤلفاتنا، وأي نص منشور في الشبكة، أو منسوخ منها منسوب إلي ولا يؤخذ بحرفيته من هذا الموقع فهو يعبر عن وجهة نظر ناشره، وليس عن وجهة نظري بالضرورة.. والله الموفق..