الحمد لله الكريم الودود، الملك المعبود، المعروف بالكرم والجود، أحمده سبحانه على ما اتصف به من صفات الجلال والإكرام، وأشكره على ما أسداه من جزيل الفضل والإنعام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبوئ من حققها دار السلام ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل من دعا إلى الدين القويم، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم على النهج السليم. أما بعد: فالشرط الـخـامــس من شروط لا إله إلا الله هو :
المحبة لهذه الكلمة ولما دلت عليه .
ودليل المحبة : قوله تعالى : ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ﴾ البقرة 165
فإن هذه الآية دليل على تحريم نوع من أنواع الشرك الأكبر وهو شرك المحبة كصنيع المشركين في تسويتهم أندادهم في المحبة بالله على حد قولهم: ﴿ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ الشعراء 98
ومن أدلتها قوله :﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ المائدة 54
مـا تفيده الآيات:
أولاً : وجوب إخلاص العبادة لله .
ثانياً : إثبات المحبة من جانب الرب ومن جانب العبد.
ثالثاً : ثناء الله على أهل الإيمان بكمال محبتهم له.
رابعاً : أن العاقبة الحميدة لأهل الإيمان .
ومن السـنـَّـة : ما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار ))
وقوله : (( مما سواهما )) فيه جمع ضمير الرب سبحانه وضمير الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقد أنكره على الخطيب لما قال:(ومن يعصهما فقد غوى) ، وأحسن ما قيل فيه:
أنه ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو مجموع المركب من المحبتين لاكل واحدة، فإنها وحدها لاغيه وأمر بالإفراد في حديث الخطيب إشعاراً بأن كل واحد من العصيانين مستقل باستلزام الغواية.
وفي الصحيح عن أنس رضي الله عنه ((أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متى الساعة ؟ فقال ما أعدت لها ؟ قال : ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكني أحب الله ورسوله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت مع من أحببت )) وفي رواية للبخاري :فقلنا: ونحن كذلك؟ قال: نعم قال أنس : " ففرحنا يومئذ فرحاً شديداً.
الشرط السادس:الانقياد بحقوقها .
ودليل الانقياد: لما دلت عليه قوله تعالى:﴿ وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له﴾
وقوله :﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ﴾
وقوله : ﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾ وقوله :﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ﴾
يخبر جل وعلا أن الإيمان الظاهر والباطن يحصل بثلاثة أمور:
أولها : تحكيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو تحكيم شخصه في حياته وتحكيم سنته بعد مماته.
ثانيها : انتفاء الحرج من النفوس حال التحكيم وهذا يستلزم قبول الحكم مع اتساع الصدور وانشراحها له.
ثالثها : التسليم التام لحكمه صلى الله عليه وآله وسلم .
ونظير هذه الآية في وجوب التسليم لحكم الله ورسوله قوله تعالى :﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ﴾ في هذه الآية أمر برد كل ما تنازع الناس فيه من أصول الدين وفروعه إلى الله والرسول ، أي إلى كتاب الله وسنـَّـة رسوله فإن فيهما الفصل في جميع المسائل الخلافية ،لأن كتاب الله وسنـَّـة رسوله عليهما بناء الدين ولا يستقيم أمر الإيمان إلا بهما .
ونظيرها أيضا قوله: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً ﴾
فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحبه الله محبة توجب له الإتيان بما وجب عليه منه فإن زادت المحبة حتى أتى بما ندب إليه منه كان ذلك فضلاً، وأن يكره ما كره الله تعالى كراهة توجب له الكف عما حرم الله عليه منه فإن زادت الكراهه حتى أوجبت الكف عما كرهه تنزهاً كان ذلك فضلاً.
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) فلا يكون المؤمن مؤمناً حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق ، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله ، فالمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات وبغض المكروهات "
واذكروا جميعًا على الدوام أنّ الله تعالى قد أمركم بالصلاة والسلام على خاتم النبيين وإمام المتّقين ورحمة الله للعالمين، فقال سبحانه في الكتاب المبين: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِيّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا﴾
اللّهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللّهمّ عن خلفائه الأربعة...
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الكفر والكافرين واحم حوزة الإسلام، واكفنا كيد الكائدين ومكر الماكرين وسحر الساحرين وبغي الباغين والطغاة المتمردين وجنود إبليس أجمعين. وأقم الصلاة.
(الجمعة 1427/12/1هـ = 2006/12/22م)
|