مختصر الأضحية وأحكامها

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه،، وبعد:
فلنكن مقالتنا هذه المرة عن شعيرة عظيمة من شعائر هذه العشر المباركة ، ألا وهي الأضحية، ذلك لأن كثيرا من أئمتنا اعتادوا على ذكر أحكام هذه العبادة في خطبة العيد وبعد فوات الأوان ، فنقول والله المستعان وعليه التكلان:

تعريف وبيان:

الأضحية في اللغة:. الأصل في هذه التسمية: الذبح وقت الأضحى، ثم أطلق ذلك على ما ذبح في أي وقت كان من أيام التشريق.
وهي شرعًا: ما يذبح من بهيمة الأنعام في أيام النحر تقرباً إلى الله تعالى

الأدلة على مشروعيتها:

قال ابن قدامة رحمه الله: “الأصل في مشروعية الأضحية الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب: فقوله تعالى: ﴿فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ﴾ [الكوثر:2].
قال ابن عباس رضي الله عنهما:”(الصلاة: المكتوبة، والنحر: النسك والذبح يوم الأضحى”
أما السنة: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بكبشين.
أما الإجماع: فقد نقله غير واحد. قال ابن قدامة رحمه الله: “وأجمع المسلمون على مشروعية الأضحية”. وقال ابن حجر رحمه الله: “ولا خلاف في كونها من شرائع الدين.”

الحكمة من مشروعيتها:

1-إن من نعمة الله على الإنسان أن يشرع الله للمسلم ما يشارك به أهل موسم الحج؛ لأن أهل الموسم لهم الحج والهدي، وأهل الأمصار لهم الأضحية. وكذلك “شرع الله الأضحية لتحقيق الحكم التالية:
2- اقتداء بأبينا إبراهيم عليه السلام، الذي أمر بذبح فلذة كبده، فصدَّق الرؤيا، ولبّى، وتلّه للجبين، فناداه الله وفداه بذبح عظيم، وصدق الله العظيم إذ يقول: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْىَ قَالَ يٰبُنَىَّ إِنّى أَرَىٰ فِى ٱلْمَنَامِ أَنّى أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِى إِن شَاء ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَـٰدَيْنَـٰهُ أَن يٰإِبْرٰهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَء ٱلْمُبِينُ * وَفَدَيْنَـٰهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ [الصافات:102-107]، ففي ذبح الأضاحي إحياء هذه السنة، وتضحية بشيء مما أفاء الله على الإنسان، شكراً لصاحب النعمة ومُسديها، وغاية الشكر محض الطاعة بامتثال الأمر.
3- توسعة على الناس يوم العيد، فحين يذبح المسلم أضحيته يوسع على نفسه وأهل بيته، وحين يهدي منها إلى أصدقائه وجيرانه وأقاربه فإنه يوسع عليهم، وحين يتصدق منها على الفقراء والمحتاجين فإنه يغنيهم عن السؤال في هذا اليوم الذي هو يوم فرح وسرور.

حكمها:

اختلف العلماء في حكم الأضحية إلى قولين هما:
القول الأول: الوجوب على المقيم الموسر، وبه قالت الحنفية، واستظهره شيخ الإسلام ابن تيمية، والشيخ ابن عثيمين رحمهما الله.
ومما استدلوا به:
عن جندب بن سفيان رضي الله عنه أنه شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر صلى ثم خطب فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح فليذبح بسم الله)) متفق عليه

القول الثاني: أنها سنة مستحبة، وهو قول المالكية والشافعية والحنابلة وإليه ذهب أبو محمد بن حزم رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به:
حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمسن من شعره وبشره شيئاً) رواه مسلم.
قالوا: علق الذبح على الإرادة، والواجب لا يعلق على الإرادة.
وعن جابر رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأضحى بالمصلى، فلما قضى خطبته نزل من منبره، وأتى بكبش فذبحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((بسم الله والله أكبر، اللهم هذا عني وعمن لم يضح من أمتي)).
قالوا: فمن لم يضح منا، فقد كفاه تضحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وناهيك بها أضحية(أخرجه أبو داود والترمذي وصححه الألباني).
وذهبت اللجنة الدائمة للإفتاء إلى أنها: سنة كفاية( فتاوى اللجنة 11/394).

شروطها:

1- أن تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم.
قال تعالى: ﴿عَلَىٰ مَا رَزَقَهُمْ مّن بَهِيمَةِ ٱلأنْعَامِ﴾ [الحج:28].

2- أن تكون قد بلغت السن المعتبر شرعاً.
لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن))( رواه مسلم).
فلا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا ما كان مسنة، سواء كان ذكراً أم أنثى.
والمسن من الإبل: ما أتم خمس سنين ودخل في السادسة.
والمسن من البقر: ما أتم سنتين ودخل في الثالثة.والمسن من المعز: ما بلغ سنة ودخل في الثانية.
ويجزئ الجذع من الضأن وهو: ما بلغ ستة أشهر ودخل في السابع.

3- أن تكون سالمة من العيوب المانعة من الإجزاء المنصوص عليها في حديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل: ماذا يُتَّقى من الضحايا؟ فأشار بيده، وقال: ((أربعٌ: العرجاء البيّن ظلعها، والعوراء البيّن عورها، والمريضة البيّن مرضها، والعجفاء التي لا تنقي))( رواه أصحاب السنن وصححه الألباني ).

4- أن تكون ملكاً للمضحي، أو مأذوناً له فيها، فلا تصح التضحية بالمغصوب والمسروق، والمشترك بين اثنين إلا بإذن الشريك.

5- ألا يتعلّق بها حق الغير، فلا تصح التضحية بالمرهون، ولا بالموروث قبل قسمته.

6- أن تقع الأضحية في الوقت المحدد شرعاً، فإن ذبحت قبله أو بعده لم تجزئ.
وقد اتفق الفقهاء رحمهم الله على أن أفضل وقت التضحية هو يوم العيد قبل زوال الشمس؛ لأنه هو السنة، لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إن أول ما نبدأ في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله، ليس من النسك في شيء)) ( متفق عليه ).
كما أنهم اتفقوا على أن الذبح قبل الصلاة لا يجوز عملاً بالحديث السابق وحديث جندب بن سفيان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي – أو نصلي – فليذبح مكانها أخرى))(رواه البخاري ).

وأما آخر وقت ذبح الأضحية فاختلف أهل العلم في ذلك على أقوال، أصحها قولان:
القول الأول: هو يوم النحر ويومان بعده، وهو قول الحنفية، والمالكية، والحنابلة. ومما استدلوا به آثار عدة عن جمع من الصحابة منها:
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:”الأضحى يومان بعد يوم الأضحى” ( رواه مالك عن نافع وهذا من أصح الأسانيد).
القول الثاني: يوم النحر وأيام التشريق الثلاثة ، وبه قالت الشافعية، ورواية عن أحمد، واختيار ابن تيمية، وابن القيم رحم الله الجميع.
ومما استدلوا به ما يلي:
قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((أيام التشريق أيام أكل وشرب) رواه مسلم.
قالوا: فجعل حكمها واحداً أنها أيام أكل لما يذبح فيها، وشرب، وذكر لله عز وجل.

آداب متعلقة بالأضحية:

من ذلك:
1- عدم الأخذ من الشعر والبشرة إذا دخلت العشر لمن أراد أن يضحي. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يلمس من شعره وبشره شيئاً))(رواه مسلم) وهذا الحكم خاص بمن يضحي لا يتناول من يضحى عنهم.

2-أفضل الأضحية الإبل ثم البقر ثم الغنم،لحديث أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: ((إيمان بالله، وجهاد في سبيله)) قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: ((أغلاها ثمناً، وأنفسها عند أهلها) والإبل أغلى ثمناً من البقر، والبقر أغلى ثمناً من الغنم.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة، ثم راح، فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية، فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن ..الحديث))( أخرجه البخاري ومسلم) وتضحيته صلى الله عليه وآله وسلم بكيشين محمول على التخفيف لرفع المشقة وبيان الجواز.
وتجزئ الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته، وإن كثروا.
لحديث أبي أيوب رضي الله عنه قال: كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون ) أصحاب السنن وصححه الألباني
يستحب للمضحي أن يأكل من أضحيته، ويهدي، ويتصدق، والأمر في ذلك واسع، من حيث المقدار، ويحرم بيع شيء من الأضحية من لحمها، أو جلدها، أو صوفها، ولا يعطي الجزار منها شيئاً أجرة على ذبحه؛ لأن ذلك بمعنى البيع.

اللهم صل وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله وأصحابه ومن اقتفى آثارهم واستن بسنتهم إلى يوم المعاد.

غرة ذي الحجة 1433هـ